اقتصاد المعرفة... والكفاءات البشرية
يتطرق الكثيرون اليوم لتداول مصطلح "اقتصاد المعرفة" باعتباره فرصة اقتصادية فرضتها عدة معطيات عالمية، وهي فرصة تبحث عن نمو ونظم اقتصادية أكثر تطوراً وأكثر اعتماداً على دور العلم والاعتماد على الكفاءات البشرية.
ففي ألمانيا أُسست أول جامعة بحثية أوروبية تعتمد على البحث العلمي تدعى "جامعة أدلم"، وهي انعكاس لمؤشر تنامي دور البحث العلمي، الذي يدعم النمط الأوروبي للبحث العلمي، والذي يولي رعاية خاصة لتنامي القدرات العلمية والتكنولوجية بالجامعات.
فاقتصاد المعرفة يعتمد أولاً على الكفاءة البشرية، لذلك اهتمت الولايات المتحدة بإنشاء شركات عابرة للقارات، تعتمد على اجتذاب العلماء والباحثين من جامعات ومؤسسات بحثية من كافة بقاع الأرض، وتهدف هذه المؤسسات من خلال القيام بالبحوث إلى تطوير منتجاتها وتحديثها، وبالتالي ارتفاع حجم المبيعات في الأسواق وإيجاد حلول سريعة وقوية لمشاكل فنية ومالية، قد تؤثر في معدلات إيرادها وأرباحها السنوية.
وقد ارتبط هذا المفهوم الذي جاء نتيجة مجموعة الابتكارات والطفرات العلمية والمعرفية غير المسبوقة، بمحاولة فهم التغيرات الاقتصادية المتواترة، وهو الأمر الذي أدى إلى اهتمام منقطع النظير بالبحث العلمي وإيجاد مناخ يقلص المصاعب، ويساهم في تحفيز الباحثين لمزيد من الإنتاجية البحثية.
هذه الإنتاجية تهتم أولاً وأخيراً بموارد بشرية عالية الكفاءة، بحيث يتحول مناخ البحث العلمي إلى سمة سائدة في أغلب مؤسسات الدولة الخاصة منها والعامة، وخاصة أن "العولمة" ساهمت في تقليص القيود على الجهود البحثية، كما أن تشابك مصالح الدول جعل التوسع في المجال البحثي أمراً لا مناص منه لأنه الفرصة الوحيدة للاستفادة القصوى من نمو اقتصادي ثابت ينطلق من أسس ذات دعامات لا يمكن الاستهانة بها.
وقد ارتبطت مثل هذه المؤسسات البحثية في العالم بإحدى مؤسسات التعليم العالي، لذلك كان من الأهمية بمكان أن دولة الإمارات تسعى للتواصل مع العالم عبر بوابة اقتصاد المعرفة، وأن يكون لها مراكزها البحثية المعتبرة، والتي تتبنى سياسات دعم الشباب المتميزين وضمان استقلالهم الفكري، وتعزيز حضورهم المكثف في هذه المواقع.
فالنظم الإدارية الحالية لها مشاكلها ومعوقاتها التي تعطل من إمكانية الوصول إلى مراكز تدريب وبحث على درجة عالية من الكفاءة، فليس من المتصور أن تستورد باحثين أيضاً، وتعتبرهم جزءاً من خطة اقتصادية متكاملة.
اقتصاد المعرفة يتطلب استيعاباً لضرورة وجود كفاءة بشرية وطنية، فلدى دول أوروبا وكوريا الجنوبية وغيرها منظومة عمل وطني علمي، ينصب اهتمامه على تطور مخرجات وطنية لخدمة البحث العلمي لإرساء قواعد اقتصادية تسير وفق خطوط متماثلة من العطاء والنجاح.
فالاستراتيجية الوطنية للتعليم والتعليم العالي، لا بد لها من اعتماد خطة مدروسة لاستغلال أفضل الكفاءات وتدريبها للوصول إلى إنشاء مراكز بحثية يعتد بها لخدمة اقتصاد وطني قوي يضمن الانطلاق لآفاق عالمية، من دون الخوف من تأرجح الأساسات، أو تهاوي أسواق المال أو حتى الشك في إمكانية وجود اقتصاد قوي وقادر على المنافسة.